نجيب نصر

الحديث عن النقد الأدبي في اليمن مؤلم جدّا، إذ انه سيجرنا للحديث عن الناقد اليمني سواء الأكاديمي أو غير الأكاديمي، أين هو، وكيف يعيش؟. فالباحث في أي مجال يحتاج إلى الاشتغال في تخصصه، والتفرغ التام له، فهل هذا متوفر للناقد اليمني؟.

قبل أشهر، راسلت دكتورا في النقد الحديث، أسأله عن وضع العمل في الجامعة، ورد بعد يومين، قال لي: إن كان سؤالك من أجل العودة لليمن، فالنصيحة لا تفكر بالعودة، على الأقل في الوقت الحاضر، وحدثني بأنه يعمل في مجال آخر، وأنه لا يتذكر آخر مرة قرأ فيها كتابا في التخصص!!.

رسالة جعلتني أعيد التفكير كثيرا، وأتخيل ما حدث!. كان لدينا دولة وموظفون ورواتب، والآن لا دولة ولا رواتب، وما يزيد مرارة الواقع هي كلمات المنظرين الذين يدعوننا للتفاؤل، ونحن نرى تجريف الوعي اليمني بأعيننا، ونرى حكومة وقيادة وأحزابا يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة بلد بأكمله، ونرى أغلب المثقفين ينساقون إلى الطرف الذي يدفع أكثر!.

الناقد اليمني كغيره من أبناء الشعب الذي أرهقته الحرب. انقطع راتبه وعاني من تذبذب صرف العملة، وارتفاع الأسعار، فترك تخصصه وفتش عن مصدر آخر للعيش؛ هناك من اشترى دراجة نارية ليعمل عليها، وهناك من اشتغل في النجارة أو البناء، وهناك من بحث عن فرصة للفرار من البلد كله!.

لا مؤتمرات علمية ولا مجلات محكّمة ولا حركة نقدية حقيقية، حتى الرسائل الجامعية صارت تناقش الصور الفنية والجمالية في خطابات السيد القائد وأقاربه!.

ورغم سوداوية المشهد، هناك نجمان لامعان يكسران قتامة الواقع يتمثلان في ناديين أدبيين يحاولان بإرادة ذاتية تطوعية أن يسدا الفراغ الذي تركته الجامعات ووزارة الثقافة؛ نادي القصة في صنعاء بإشراف الروائي المُلهم الغربي عمران، والشاعر القدير زياد القحم وجماعة كبيرة من محبي الأدب. ونادي السرد في عدن بإشراف الناقد الأكاديمي الدكتور عبد الحكيم باقيس. ورغم جهودهم الكبيرة إلا أنها تبقى محصورة داخليا وفي حدود ضيقة، وحركة النقد تحتاج إلى الانفتاح الواسع على جميع المدن، وكذلك على مستوى الوطن العربي كله!. ومع ذلك، فوجودهما يبقيان نبض النقد اليمني حيا.

أما الكتابات النقدية التي تلفت أنظارنا اليوم، وتجعلنا نتمسك بالأمل فهي لدكاترة يعملون في جامعات خارج اليمن، فهم مطلعون عن قرب على حركة النقد وعلى الكتابات النقدية الحديثة عالميا وعربيا، ويشاركون في مؤتمرات علمية، ويناقشون أطروحات ماجستير ودكتوراه، وهذا ما يجب أن يكون عليه الناقد في اليمن لينتج، فهناك فرق بين ناقد يعيش مع النقد في يومه وليله، وبين آخر تجرفه الحياة ليفتش عن لقمة عيش لأسرته، وينسى تخصصه!.

٢٩ مايو ٢٠٢٣م

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *