تقوض الأجندة الوطنية للائتلاف الوطني الجنوبي نفوذ الإمارات الذي لا منازع له في المحافظات الجنوبية، إذ من المعروف أن أبو ظبي تدعم قيام المليشيات المناطقية المسلحة بهدف خلق مناطق نفوذ استراتيجية لها في جميع المحافظات الجنوبية وجعل هذه المليشيات المسلحة جزءا من رؤية أبو ظبي القائمة على دعم الفوضى المناهضة للدولة والمعادية للاستقرار.

في مقابل الفوضى الإماراتية، يتبنى الائتلاف الوطني الجنوبي نهجا وطنيا يرتكز على استقلال الجنوب في إطار الدولة الاتحادية، هذه الرؤية تقوض النموذج الإماراتي المناطقي وتشل حركته، لكن ما يبقي على النموذج الإماراتي حتى اليوم هو عدم انتظام القوى الوطنية الجنوبية كلها في إطار الائتلاف الوطني الذي يعمل على وضع حد للنفوذ الإماراتي.
أفضل ما يوصف به الائتلاف الوطني الجنوبي أنه وطني نابع من داخل القضية الجنوبية، لذلك فإن قياس تأثير سياساته على نفوذ الإمارات يعتمد على كيفية نظر الإماراتيين إلى الوطنية الجنوبية، فالائتلاف يعتمد على خطاب مناهض للانفصال ويتبنى دورا معارضا للفوضى التي تصر الإمارات على إيجادها، ويصر على إعطاء الأولوية لأجندة أساسها اليمن الاتحادي والالتفاف حول الشرعية واستقلال القرار اليمني.
ونتيجة لذلك، تحاول الإمارات بكل قوتها تقليص نفوذ الائتلاف وتقوية مصالح مليشياتها وهذا الهدف يعتبر هدفا مشتركا مع السعودية، مع أن الائتلاف لا يستهدف الإمارات أو السعودية تحديدا، بل يقف في وجه أي نوع من التدخل الخارجي في الشؤون اليمنية، وما يعيقه حتى الآن، هو افتقاره إلى القوة السياسية اللازمة لمواجهة تسلل الأيدي الإماراتية إلى كل المؤسسات الأمنية والمدنية في عدن، ذلك يعود إلى أن شركاء الائتلاف مازالوا يفتقرون إلى الرؤية الاستراتجية التي تعزز قوة الائتلاف.
صحيح أن هناك رغبة عامة في صفوف الأحزاب والنخب الجنوبية للجم النفوذ الإماراتي، إلا أن هذه الرؤى مازالت أحادية وبالتالي عرضة للاختراق، لذلك لم يستطع الائتلاف إعلان بناء مؤسسات الحكم في المناطق التي يتواجد فيها، لا على المستوى الحزبي أو حتى القبلي.
يمتلك الائتلاف الكثير من عناصر القوة لو استخدمها سيقلب الموازين كلية لصالح الجنوب وأبناء الجنوب، فهو يواجه سياسات الإمارات التخريبية في الجنوب عموما وعدن خصوصا، فقد حولت الإمارات العاصمة المؤقتة عدن إلى قرية بائسة يسودها الفقر وتنعدم فيها الكهرباء وتعبث بها المليشيات المسلحة، كان بإمكان الإمارات لو أرادت المصلحة لعدن أن تحولها إلى زهرة المدائن أو تجعلها شبيهة بدبي، لكنها حولتها إلى مدينة أشباح وإلى عاصمة للفقر والظلام.
لقد كشفت الإمارات عن وجهها الحقيقي وسياساتها تجاه الجنوب في انقلاب ٢٠١٨، ذلك الانقلاب الذي أفقد عدن دورها كعاصمة مؤقتة لكل اليمنيين وحولتها إلى عاصمة للمليشيات والعصابات المسلحة بالحقد والكراهية المناطقية ليس ضد الشماليين فحسب، بل ضد الجنوبيين أنفسهم، فقد أفصحت الإمارات عن دعمها للحس المناطقي وأنهت العلاج بالمسكنات التي اعتمدها تحالف دعم الشرعية منذ ٢٠١٥، ودفعت بعدن إلى واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية وتركتها دون مرجعية قانونية تنظم الخلافات، وجعلتها تعيش حرب الجميع ضد الجميع، ولن ينقذ عدن سوى انتظام كل مرجعيات الحراك الجنوبي في الائتلاف الوطني الجنوبي واستعادة عدن لدورها التاريخي القائم على الاستقلال الوطني.

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *