منذ العام 2015 واستقرار الرئيس وكل مكونات الشرعية (المقصود هنا من يمثلها) تعاقب على رأس وزارة الخارجية 6 أشخاص (عبدالله الصايدي، رياض ياسين، عبدالملك المخلافي، خالد اليماني، محمد الحضرمي وأخيرا احمد بن مبارك)، ثلاثة منهم من داخل الوزارة أي أنهم يعلمون بكل تفاصيلها الإدارية والمالية والتنظيمية، وثلاثة بقرار سياسي قدرة الرئيس وهو حق أصيل له بموجب التقاليد المتوارثة وباعتباره ممثلا للسياسة الخارجية.

معروف ان الصايدي من أقدم وابرع الدبلوماسيين المحترفين ووصل إلى مرتبة نائب وزير الخارجية ومندوبا لدى الأمم المتحدة ورفض الالتحاق بمن فروا إلى الرياض وتسبب قراره في نزاع بين الرئيس ونائبه رئيس الحكومة حينها خالد بحاح الذي ظل متمسكا ببقاء الصايدي على امل ان يقنعه الالتحاق بهم في فندق الريتز الفخم بالرياض والذي استقر فيه لفترة طويلة كبار المسؤولين الذين وصلوا إليها قبل نقلهم الى فنادق اقل فخامة ثم شقق مفروشة للبعض او بدل سكن ليختاروا الموقع المناسب.

بعد ذلك تولى الوزارة د. رياض ياسين ثم عبدالملك المخلافي وهما برغم تجربتهما السياسية الا انهما كانا بلا تجربة دبلوماسية وإدارية وكانت انشغالاتهما بالنشاط السياسي تبعدهما عن متابعة الشؤون الإدارية للوزارة وخلال فترتهما شاهدنا سيل تعيينات خارج الأطر المتعارف لها وتكدست أعداد كبيرة في السفارات جرى اغلبها بتوجيهات من مكتب الرئيس وأبنائه دون النظر إلى الكفاءة والأقدمية، والاهم انه لم يكن لها حاجة سوى المجاملات المناطقية كما جرى استدعاء كثير من المتقاعدين وإعادة تعيينهم على رأس البعثات باختراق القانون الذي لا يسمح بالتعيينات السياسية في هذا المرفق بأكثر من 20٪.. وهنا لا يجب اغفال استقالة نبيل الميسري من موقعه نائبا للوزير اذ رفض الانغماس في مسلسل العبث المالي وتضخيم الوزارة خارج القانون والقواعد، ثم استقال مرة ثانية من منصبه سفيرا في اسبانيا لاعتراضه على الخروج على القانون والأعراف.

بعدهما تم تعيين خالد اليماني وزيرا وهو دبلوماسي محترف وكفؤ وله تجربتين دبلوماسية عميقة وإدارية طويلة… لكن عدم الاستجابة لمطلبه بضبط الوزارة دفعه إلى الاستقالة بعد عجزه عن إقناع الرئيس بضرورة إبعاد المناصب دون السفير عن العبث والمجاملات. ثم حضر نائبه محمد الحضرمي وزيرا.

حاول الحضرمي هو الاخر على استحياء إعادة الانضباط إلى الوزارة وإبعاد تعيينات الدبلوماسيين دون السفير عن العبثية لكنه فشل ومع ذلك لم يترك المنصب الذي كان اكبر من تجربته الدبلوماسية والسياسية وبقي فيه ثم جرى اقصاءه فجأة.

وأخيرا حضر أحمد بن مبارك الذي كان تأثيره على الوزارة قويا حتى من قبل توليه منصب الوزارة لثقة الرئيس به من أيام عمله أمينا عاما لمؤتمر الحوار الوطني الذي استغله لخلق دائرة نفوذ مستمر عبر "شلته" التي رعاها منذ أيام ما يعرف بالساحات ومنهم رئيس الحكومة الحالي.

أعود إلى ما اسميه تجريف وزارة الخارجية بمبرر عجيب هو أن كثيرين من العاملين بها عفاشيون أو حوثيون، وتلك حجة لا تستند الى تصرفاتهم بل الى عدم فهم للعمل الدبلوماسي وقواعده.

فلننظر الآن إلى الذين تم تعيينهم منذ 2015 لنجد ان اعداد السفراء والدبلوماسيين من خارجها يتجاوز 50٪ وكثيرون منهم بدون كفاءة ولا مؤهلات وكما قلت تم استدعاؤهم من التقاعد.. ومن المضحك ان عددا منهم لم يكن ضمن اعداد موظفي الدولة وكل ما يمتلكه هو مشاركته في مؤتمري الحوار الوطني والرياض كما لو كانا شهادة على احقيتهم.. وهناك من يستلم الراتب بالدولار دونما حاجة لتواجده في العاصمة التي تعين بها ودون تكليفه بأي نشاط.

هكذا تم تجريف الوزارة من أبنائها ثم رفدها باعداد لا مهمة محددة لها ولا حتى نفع يعود على "الشرعية" من تواجدهم الا منحهم فرصة اللجوء مع اسرهم بعد انتهاء فترات عملهم.

الشرعية تعاني من ظاهرة التسول الدولي لسد مرتبات موظفيها لكنها عاجزة عن توفير جزء من نفقاتها الترفيهية باغلاق بعثات لا تحتاجها البلاد وبذلك تستطيع توجيه المبالغ بالعملة الصعبة لشراء الدواء وإصلاح المستشفيات والمدارس والطرقات.. لكنها لن تفعل لأنها متفرغة لنشر الفساد والدفاع عنه.

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *